السودانيون في ليبيا… بين فقر المنفى وجحيم الحرب

يتعرض آلاف السودانيين في ليبيا لانتهاكات ممنهجة تشمل الاحتجاز التعسفي، الترحيل القسري، وسوء أوضاع العمل والسكن، وسط ضغوط متصاعدة من السلطات الليبية لمكافحة الهجرة غير النظامية، في ظل تدفق مستمر من السودان الذي تمزقه الحرب منذ أكثر من عامين.

في فبراير هذا العام، أعلنت سلطات مدينة الكفرة جنوب شرق ليبيا ترحيل 121 مهاجراً، ضمن حملة أوسع استهدفت مهاجرين من السودان والنيجر ومصر.

 وقال شهود من الجالية السودانية إن الترحيلات شملت مقيمين شرعيين، دون تمييز واضح، مما أثار قلقاً واسعاً، ودفع السفارة السودانية إلى التدخل للإفراج عن عشرات المحتجزين.

وقال خالد حبيب، عضو الجالية السودانية في طرابلس لتمازج، إن “أعداد السودانيين في ليبيا تضاعفت منذ اندلاع الحرب في السودان عام 2023، وتجاوزت حالياً مليوني شخص”، مشيراً إلى أن غالبيتهم يعانون غياب الوثائق الرسمية، وصعوبات في السكن والعمل والتعليم.

طرق تهريب محفوفة بالخطر

يصل معظم السودانيين إلى ليبيا عبر طرق التهريب من تشاد ومثلث الخناق وسط مخاطر تشمل العطش وعمليات ابتزاز واحتجاز من قبل عصابات مسلحة.

 وأفاد مصطفى، شاب من دارفور، بأنه احتُجز في مدينة سبها دون طعام أو ماء، وأُطلق سراحه فقط بعد دفع فدية من عائلته.

“بعض السودانيين يُستدرجون من قبل مجموعات تتقمص صفة الأمن، وتطلب فدية من ذويهم”، يقول مالك الداجاوي، أحد الناشطين في مجال الهجرة، مضيفاً أن البعض يفقد حياته أثناء محاولة عبور البحر إلى أوروبا على متن قوارب متهالكة.

استغلال في سوق العمل

في المدن الليبية، يعمل السودانيون في قطاعات البناء والزراعة دون أي ضمانات، وقال موسى، عامل قادم من الفاشر، إنه يتقاضى 50 ديناراً يومياً مقابل 12 ساعة عمل، ويخشى المطالبة بحقوقه خشية الترحيل أو الاعتقال.

 وأضاف محمد الطيب، 27 عاماً، أنه ينام في مخزن بضائع، ويتلقى راتباً شهرياً غير منتظم لا يتجاوز 600 دينار.

وقال أحد المقيمين في بنغازي إن الإيجارات مرتفعة جداً، وإن السودانيين يدفعون أحياناً ضعف ما يدفعه المواطنون الليبيون مقابل سكن متهالك دون عقود قانونية.

تعليم بعيد المنال

اماني عمر، أكاديمية سابقة، قالت إنها اضطرت للعمل في تنظيف المنازل لتوفير الطعام لعائلتها بعد عجزها عن تسجيل أبنائها في المدارس الليبية؛ بسبب غياب الشهادات الدراسية. 

وأوضحت أن “المدارس تطلب وثائق لثلاث سنوات سابقة، ونحن خرجنا من الخرطوم بلا أوراق”.

مناشدات للجالية والدولة

ناشدت الجالية السودانية الحكومة السودانية تخفيض رسوم استخراج الوثائق الرسمية، التي تصل إلى 200 دولار للجواز الواحد، وتوفير آليات دعم عاجلة.

 وقال مالك الديجاوي، مسؤول برنامج للحد من الهجرة غير النظامية، لتمازج إن “بعض الجهات تستغل حاجة السودانيين للفرار، وتروج لوعود كاذبة عن تسهيلات في ليبيا أو أوروبا”.

وأضاف أن السلطات الليبية قدمت مساعدات محدودة في دمج الأطفال بالمدارس، لكنها لم تكفِ لتغطية حجم الأزمة، مشيراً إلى أن الجالية السودانية أطلقت سابقاً مبادرة لإعادة السودانيين إلى .وطنهم، لكنها توقفت 

حلم العودة 

 داخل أحد الأحياء في طرابلس، تُعدّ فاطمة عبد الجليل، وهي لاجئة سودانية وأم لثلاثة أطفال، حقيبتها استعدادًا للعودة إلى وطنها الذي تمزقه الحرب.

وتقول لتمازج “لم يعد لدينا ما نأكله، طُردنا من السكن، والأطفال مرضى. لا نستطيع العيش هنا، ولا نعرف مصيرنا هناك، لكن لا خيار أمامنا”.

فيما تتصاعد أزمات النزوح في السودان، يواجه آلاف اللاجئين السودانيين في ليبيا أوضاعًا إنسانية متردية تدفع الكثيرين منهم للتفكير في “العودة الطوعية”، رغم المخاطر الأمنية في بلادهم. 

ويقول عبد الله، لاجئ من الخرطوم “نحن عالقون بين نارين. نعيش الذل هنا، ونخاطر بالموت هناك. لكن على الأقل، نموت في بلادنا”.

تقدّر مصادر مجتمعية أن أكثر من 600 لاجئ سجلوا أسماءهم في قوائم العودة عبر معبر العوينات الحدودي، جنوب ليبيا، خلال الأشهر الماضية. بعضهم ضاع في الصحراء، وآخرون اعتقلوا قرب الحدود. وأفاد مسؤول في الجالية السودانية بمدينة سبها تحدث لتمازج، أن أعداد الراغبين في العودة تتزايد يومًا بعد آخر، خاصة مع انعدام فرص العمل وغياب المساعدات الإنسانية.

رغم تحذيرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن “العودة إلى السودان حاليًا غير آمنة”، يقول ناشطون إن معاناة اللاجئين في ليبيا، خاصة في مناطق الجنوب، تفوق طاقتهم.

 يضيف أحد المتطوعين السودانيين في غات “نعجز عن توفير أبسط مقومات الحياة لمن هربوا من الحرب. نواجه العطش والجوع، وبعض العائلات تنام في العراء”.

في العاصمة طرابلس، يعيش كثير من اللاجئين في مبانٍ متهالكة بلا ماء أو كهرباء. قال محمود، وهو شاب سوداني من أم درمان، إنه قضى 3 أشهر بلا عمل، ويعتمد على إعانات الأهل والأصدقاء. وأضاف “المفوضية لم تستجب لنداءاتنا. لا مساعدات، لا حماية، لا حتى خيمة”.

وكانت ليبيا، التي تعاني هي الأخرى من انقسامات سياسية وصراعات مسلحة، قد استقبلت أعدادًا كبيرة من السودانيين الهاربين من الحرب منذ اندلاعها في أبريل 2023. إلا أن تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات العنصرية والاعتداءات ضد المهاجرين، جعل حياة اللاجئين السودانيين أكثر هشاشة.

تقول تقارير محلية إن بعض السودانيين تعرضوا للاعتقال والابتزاز من قبل جماعات مسلحة، بينما اشتكى آخرون من سوء المعاملة في مراكز الاحتجاز. كما أفادت مصادر حقوقية أن حالات الإعادة القسرية زادت في الأشهر الماضية، رغم توقيع ليبيا على اتفاقيات تحظر ذلك.

وبينما لا يبدو أن الحرب في السودان تقترب من نهايتها، يشعر اللاجئون أن مصيرهم معلق. يقول عبد الله “كأننا في رقعة شطرنج، لا نملك أي قرار. ننتظر فقط من يقرر مصيرنا، أو من ينسانا”.

إغلاق الحدود

على نحو مفاجئ أصدرت السلطات الليبية في 19/مايو الجاري قرارا قضى بإغلاق حدودها أمام السودانيين الفارين من الحرب، ومنعت تصدير السلع إلى السودان، في محاولة للحد من التهريب والتدفقات السكانية غير المنظمة.

وبينما تتفاقم الأزمة الإنسانية، يظل عشرات الآلاف من السودانيين عالقين في مدن ومزارع ليبية بلا حماية قانونية، وسط مخاطر صحية وأمنية. وقال محمد باشا من مدينة الكفرة: “لدغات الأفاعي، الطفح الجلدي، وانعدام النظافة مشاهد يومية. هذه ليست حياة، بل صراع للبقاء”.

في غياب تدخل دولي أو حلول سياسية في السودان، تبقى ليبيا محطة مؤقتة محفوفة بالمخاطر، لاجئين فيها بين نار الحرب في وطنهم ومصاعب الغربة على أرض لا ترحب بهم.