وجهت مسؤولة رفيعة المستوى في الأمم المتحدة اتهاماً مباشراً لزعماء جنوب السودان بخلق أزمة سياسية “من صنع الإنسان” أدت إلى تفكك اتفاق السلام لعام 2018، وتسببت في تصاعد حاد في أعداد الضحايا المدنيين، ودفعت بأحدث دولة في العالم نحو مجاعة كارثية.
أطلقت أنيتا كيكي قيبهو، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة بالإنابة في جنوب السودان، هذا التحذير القاسي في اجتماع طارئ للمفوضية المكلّفة بمراقبة عملية السلام (R-JMEC)، وهي جلستها الأولى منذ فبراير الماضي.
وقالت قيبهو، أن اتفاق السلام المنشط لعام 2018 “مُصدّع بشدة” بسبب “الإجراءات الأحادية” و”الالتزام الانتقائي” من قبل الأطراف المتحاربة. وأكدت أمام اللجنة أن “التحديات التي تواجه اتفاق السلام هي من صنع الإنسان، وذات طبيعة سياسية بالأساس، ولا يمكن حلها إلا عبر حوار شامل”.
وكان للأزمة السياسية تداعيات مدمّرة، حيث سجل مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيادة بنسبة 59% في الإصابات بين المدنيين من يناير إلى سبتمبر مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مدفوعة بالقصف الجوي والعنف المباشر بين الموقعين الرئيسيين على الاتفاق.
وتصاعدت الأزمة السياسية بشكل دراماتيكي في مارس، وفقاً لقيبهو، عندما وُضع النائب الأول للرئيس رياك مشار، وهو طرف رئيسي موقّع على الاتفاق، قيد الإقامة الجبرية مع كبار أعضاء حزبه المعارض. وأضافت أن محاكمتهم، التي أُعلنت عشية ذكرى توقيع اتفاق السلام، عمّقت الانقسام.
وشددت قيبهو على أن “الأمم المتحدة تظل محايدة وملتزمة بدعم سيادة القانون”، لكنها حثت على أن تلتزم جميع الإجراءات القضائية”بالمعايير الدولية للإنصاف والشفافية والأصول القانونية الواجبة”.
ويؤدي الانهيار السياسي إلى تفاقم حالة طوارئ إنسانية خطيرة. أفادت قيبهو بأن أكثر من 497 ألف شخص نزحوا حديثاً هذا العام (نحو 321 ألفاً؛ بسبب الصراع و 175 ألفاً بسبب الفيضانات)، ويتفاقم الوضع بتدفق اللاجئين من السودان والدول المجاورة.
وحذّرت من انهيار إمكانية الوصول الإنساني، مشيرة إلى تسجيل 70 حادثة عرقلة بحلول نهاية سبتمبر، أي أكثر من ضعف العدد المسجل في سبتمبر 2024، مع تزايد استهداف عمال الإغاثة والمجمعات والإمدادات.
كما حذرت قائلة: “دون استعادة عاجلة لإمكانية الوصول، خاصة في المناطق المتضررة من النزاع، فإن كارثة غذائية وتغذوية شاملة ممكنة”.
ودعت المسؤولة الأممية جميع الأطراف المسلحة إلى إزالة القيود وضمان سلامة عمال الإغاثة، وحثت الحكومة الانتقالية على إظهار التزامها بتقديم الخدمات الأساسية في ظل تضاؤل التمويل الدولي.
وأكدت أن اتفاق السلام، الذي تفاوضت عليه الأطراف نفسها، “يظل الإطار الوحيد لإكمال انتقال سياسي شامل وتحقيق سلام دائم في جنوب السودان. لا يوجد بديل”.
واختتمت بنداء عاجل للعمل، مطالبة الأطراف بوقف العنف فوراً بالالتزام بوقف إطلاق النار لعام 2017، والانخراط في حوار شامل، والعودة إلى إطار اتفاق 2018، والاتفاق على مسار واضح لإنهاء الفترة الانتقالية.
وقالت: “حان وقت العمل الآن، وشعب جنوب السودان يستحق السلام، والالتزام الموحد بسلامته وأمنه واستقراره”. وأكدت التزام الأمم المتحدة بالدعم، لكنها شددت على ضرورة “الشعور بالإلحاح من جانب الأطراف”.