حذرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان اليوم الاثنين، من أن الأزمة السياسية المتصاعدة في جنوب السودان تؤدي إلى تجدد العنف المسلح، وتزيد تفاقم الأوضاع الإنسانية وحقوق الإنسان المتردية أصلاً، فضلاً عن تصعيد حالة عدم الاستقرار الإقليمي.
وعلى الرغم من مرور عقد من الجهود التي بذلها الاتحاد الأفريقي والجهات الفاعلة الإقليمية لدعم عملية السلام، ذكرت اللجنة أن قادة جنوب السودان عرقلوا التقدم عمداً، ما دفع البلاد إلى حافة الهاوية مجدداً. وشهدت الاشتباكات المسلحة حالياً نطاقاً لم يُرَ منذ توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية عام 2017، ويتحمل المدنيون العبء الأكبر من انتهاكات حقوق الإنسان وحالات النزوح.
وأكدت اللجنة، في ختام مهمتها إلى مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، أن فراغ العدالة والمساءلة في جنوب السودان يواصل تغذية التعنت السياسي، والإفلات من العقاب، والصراع، والفساد. كما شجع الانقسام السياسي الأخير في المركز الجماعات المسلحة، ما أطلق شرارة تجدد الصراعات وتشريد الآلاف.
وكما أبرز تقرير اللجنة الأخير “نهب أمة: كيف أطلق الفساد المتفشي أزمة حقوق إنسان في جنوب السودان” يبقى الفساد الكبير والتحويل المنهجي للموارد العامة دافعاً رئيسياً للصراع، ما يحرم مواطنو جنوب السودان من أبسط حقوقهم.
وصرّح المفوض بارني أفاوكو، الذي قاد البعثة إلى الاتحاد الأفريقي، قائلاً: “إن الأزمة السياسية المستمرة، وتزايد القتال، والفساد الممنهج وغير المقيد، كلها أعراض لفشل القيادة وغياب التوافق في تنفيذ التزامات اتفاق السلام والانتقال السياسي”.
وأضاف: “ما لم يكن هناك انخراط سياسي فوري ومستدام ومنسق من قبل المنطقة، فإن جنوب السودان يواجه خطر الانزلاق مجددا إلى صراع واسع النطاق، مع عواقب وخيمة لا يمكن تصورها على شعبه والمنطقة الأوسع. يتطلع مواطنو جنوب السودان إلى الاتحاد الأفريقي والمنطقة لإنقاذهم من مصير يمكن تجنبه”.
وشددت اللجنة في تفاعلها مع مسؤولي الاتحاد الأفريقي على الحاجة الملحة لإنشاء آليات العدالة الانتقالية التي أكدها الفصل الخامس من اتفاق تسوية النزاع في جنوب السودان المنشط لعام 2018، ولا سيما المحكمة المختلطة.
وبعد مرور أكثر من عقد على اندلاع الصراع في ديسمبر 2013، لا يزال الضحايا ينتظرون عدالة وتعويضات ذات مصداقية للانتهاكات والجرائم الخطيرة التي تعرضوا لها. ورغم الدعوات المتكررة من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي للحكومة للعمل مع الاتحاد الأفريقي على وضع مبادئ توجيهية وطرائق لإنشاء المحكمة المختلطة، لم يُحرز أي تقدم ملموس.
وقالت ياسمين سوكا، رئيسة اللجنة “أصبحت العدالة أكثر أهمية من أي وقت مضى لجنوب السودان، والوعود التي قُطعت للضحايا منذ سنوات لا تزال دون وفاء، ويجب أن تنتقل المحكمة المختلطة من الورق إلى إجراءات ملموسة، ويمتلك الاتحاد الأفريقي الولاية والمسؤولية الأخلاقية لضمان عدالة انتقالية شاملة لجنوب السودان”.
وأجبر تجدد الاشتباكات المسلحة الآلاف على الفرار مجدداً هذا العام 2025، وقُدر أن 300 ألف من مواطني جنوب السودان فروا من البلاد، معظمهم بسبب تزايد الصراع، حيث وصل 148 ألفاً إلى السودان، و50 ألف إلى إثيوبيا، و50 ألف إلى أوغندا، و 30 ألف إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، و25 ألف إلى كينيا.
يستضيف الإقليم الآن أكثر من 2.5 مليون لاجئ من جنوب السودان. كما تعاني البلاد من 2 مليون نازح داخلي، وتستضيف 560,000 لاجئ إضافي فروا من الحرب في السودان. ولا تزال النساء الأكثر تضرراً بشكل غير متناسب، حيث يتحملن العبء الأكبر والمخاطر.
وحثت اللجنة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اللذين من المقرر أن يجتمعا في أديس أبابا هذا الأسبوع لجلستهما التشاورية السنوية المشتركة، على اتخاذ إجراءات حاسمة ومنسقة لمعالجة الأزمة المتفاقمة في جنوب السودان.
ودعت اللجنة إلى وضع العدالة والمساءلة، بما في ذلك الإنشاء الفوري للمحكمة المختلطة لجنوب السودان، في صميم مداولاتهما، مع إدراك أن الإفلات من العقاب والفساد يظلان العقبات الرئيسية أمام السلام والاستقرار وحقوق الإنسان في البلاد.
واختتمت رئيسة اللجنة سوكا بالتأكيد “الأزمة التي تتكشف في جنوب السودان هي نتيجة خيارات متعمدة اتخذها قادتها بوضع مصالحهم فوق مصالح شعبهم، ويجب على الإقليم والمجتمع الدولي الآن الضغط على قادة جنوب السودان لاتخاذ خيار مختلف وخيار يضع شعبهم أولا”.