تشهد مدينة أم درمان هذه الأيام تفشياً مخيفاً لوباء الكوليرا، وسط انهيار شبه كامل في الخدمات الصحية وشح المياه النظيفة وغياب الكهرباء.
شهادات من أطباء ومتطوعين ومصابين داخل مستشفيات المدينة، كشفت عن كارثة صحية غير مسبوقة تهدد حياة الآلاف، في ظل صمت رسمي وإهمال واضح من الجهات الصحية المختصة.
أعداد متزايدة وغياب الإمكانيات
يقول د. مهند، من مستشفى النو، إن الإصابات تجاوزت 521 حالة مؤكدة حتى الآن، مع تسجيل وفيات عديدة، لا سيما في مستشفيات الأمين حامد وبشائر والمراكز التركية.
وأضاف “الوضع صعب جداً، الكهرباء غائبة والمياه ملوثة، والناس ما قادرة تستوعب حجم الكارثة”. وأكد وجود مراكز عزل مكتظة بالمصابين، وسط نقص حاد في أدوات الوقاية والمعقمات.
المرضى يُعالجون في الساحات
وعد، متطوعة في مستشفى النو، أوضحت أن الحالات تتزايد بمعدل مرعب يصل إلى أكثر من 100 إصابة يومياً، وقالت إن “الناس مرقدة قدام باب العزل، وأطفال بيرقدوا في الشمس جنب الصيدليات عشان ياخدوا الدربات”.
وأشارت إلى أن محاليل الإرواء الحيوية غير متوفرة في المستشفى ولا في الصيدليات، فيما يضطر المواطنون لجلب المياه من النيل بعد انقطاع الإمداد، ما يزيد من تفاقم الأزمة.
وفاة المرضى في البيوت
الدكتور علي جباي، من مستشفى النو، أشار إلى أن بعض المرضى يموتون قبل الوصول للمستشفى، بينما تُدفن الجثامين بطرق عشوائية دون اتباع بروتوكولات الوبائيات، مما يشكل خطراً مضاعفاً على المجتمع.
وأضاف أن المستشفى يعاني نقصاً حاداً في الكوادر الطبية، في ظل تزايد أعداد المصابين والوفيات بشكل يومي.
“الوباء خرج عن السيطرة”
مصعب الجاك، أحد المصابين ويعمل ضمن المجموعات المتطوعة، أكد أن الكوليرا بدأت بالانتشار قبل ثلاثة أسابيع في مناطق النازحين القادمين من مناطق الحرب، حيث يختلط الصرف الصحي بمصادر المياه.
وقال “المرض قاتل، ممكن يموتك خلال ساعات إذا ما اتعالجت”، وأضاف أن العزل غير منظم والمرافقون يختلطون بالمصابين، مما يزيد من العدوى. وشدد على ضرورة تطعيم الناس وإتاحة اللقاحات الثلاثية للجميع.
نداء
تشير الشهادات الميدانية إلى غياب تام لوزارة الصحة، التي لم توفر المعينات الأساسية، ولم تمنح المنظمات العاملة في الميدان الحرية الكاملة للتحرك. المرضى يُعالجون في الشوارع، وتُستخدم الجرادل كدورات مياه تحت الأسرة، بينما الذباب يتجول بين الطعام والأدوية.
وأطلقت مرافقات لمرضى في المستشفيات نداءً عاجلاً للسلطات والمنظمات الإنسانية، محذّرات من أن الإصابات بالكوليرا في تزايد مستمر، وقد تخرج عن نطاق السيطرة إذا لم يُتدخل سريعاً.
وأكدن أن الظروف الصحية المتردية ونقص الكوادر والمستلزمات الطبية، فاقمت من حجم الكارثة، مشيرات إلى تدهور أوضاع المرضى في ظل غياب الاستجابة الرسمية.
صمت رسمي
بين صمت رسمي، وعجز المنظومة الصحية، ومعاناة المواطنين بين المرض والموت، يبدو أن أم درمان تقف اليوم على حافة كارثة صحية قد تتوسع لتشمل كامل البلاد إذا لم تتحرك الجهات المسؤولة فوراً.