شرح: توقف اجتماعات مجلس وزراء جنوب السودان – الأسباب والتداعيات

يواجه جنوب السودان، تحديا خطيرا، يتمثل في توقف اجتماعات مجلس الوزراء، الذي يُعد أعلى هيئة تنفيذية لاتخاذ القرارات في البلاد. هذا الانقطاع الطويل، الذي جاء بعد فترة وجيزة من وضع النائب الأول للرئيس رياك مشار “قيد الإقامة الجبرية”، حيث ما تصاعد التوترات السياسية، يثير مخاوف جدية بشأن انهيار الحكومة، ويهدد عملية السلام الهشة، كما يلقي بظلال من الشك على إمكانية إجراء الانتخابات المخطط لها في عام 2026.

الأسباب الكامنة وراء الشلل الحكومي

لم يجتمع مجلس الوزراء، برئاسة الرئيس سلفا كير ميارديت، منذ ما يقرب من أربعة أشهر، ويربط المحللون هذا الشلل على نحو مباشر بالتوترات السياسية المتزايدة واحتجاز رياك مشار، النائب الأول للرئيس وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان-في المعارضة.

ويوضح الدكتور أبراهام كول نيون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جوبا، أن اعتقال مشار وتغيير كبار المسؤولين أديا إلى انقسامات عميقة داخل الحكومة. وهذا الوضع، بحسب الدكتور كول، خلق حالة من الاضطراب بين كبار المسؤولين، مما قد يجعل الرئيس مترددا في عقد اجتماعات خشية تصاعد المعارضة.

ويتفق مع هذا الرأي تير منيانق، ناشط المجتمع المدني، الذي يرى أن اعتقال مشار، الذي يترأس الكتلة “الحوكمة”، هو سبب رئيسي لهذا الشلل. ويضيف أن غياب بعض حلفاء مشار عن البلاد يزيد تفاقم الأزمة.

تداعيات توقف مجلس الوزراء على حوكمة جنوب السودان

مع تعليق جلسات البرلمان لأشهر وعدم كفاية تمويل السلطة القضائية، كانت السلطة التنفيذية هي الذراع الوحيد العامل في الحكومة، ومع استئناف البرلمان جلساته مؤخرا بعد توقف دام ستة أشهر، فإن خمول مجلس الوزراء يعني عدم إقرار سياسات رئيسية، وعدم تمرير أي ميزانيات، وبقاء الوزراء بدون توجيه واضح.

ويحذر الدكتور أبراهام كول، من أن جنوب السودان يعمل حاليا “بدون فرع تنفيذي نشط”، منذ عدة أشهر، مما يعني “عدم إحراز أي تقدم” تحت هذه الظروف.

ويضيف الدكتور ريمامبر ميامينغي، خبير الحوكمة، أن هذا الوضع يشير إلى انهيار النظام الدستوري، حيث تتركز السلطة بشكل متزايد في مكتب الرئيس. وبحسب ميامينغي، يقوض مبادئ الرقابة والتوازن، ويدفع البلاد نحو حالة “استبدادية بحكم الأمر الواقع”.

التأثير في اتفاق السلام لعام 2018 والانتخابات المقبلة

ينص اتفاق السلام لعام 2018، على تقاسم السلطة بين مجموعة الرئيس كير ومجموعة رياك مشار، وتحالف “سوا” المعتقلين السابقين والأحزاب الأخرى، طوال الفترة الانتقالية، وصولا إلى الانتخابات المقرر إجراؤها في ديسمبر 2026. لكن مع احتجاز مشار وتهميش حلفائه، تعثرت الإصلاحات الرئيسية، مثل إعادة هيكلة قطاع الأمن، وعملية صياغة الدستور، والعدالة الانتقالية.

ويشكك الدكتور كول، في إمكانية إجراء الانتخابات في ديسمبر 2026، مشيرا إلى أن جدواها تعتمد على “جدية الرئيس في عقدها”، وأن الركود الحالي يجعل ذلك “غير مرجح”.

ويوضح الدكتور ميامينغي أن غياب مجلس وزراء عامل يمنع جنوب السودان من الوفاء بالتزاماته الدولية، مما قد يؤدي إلى مزيد من العزلة وفقدان دعم المانحين.

العواقب الاقتصادية والإنسانية

تمتد تداعيات هذا الشلل لتشمل الجانبين الاقتصادي والإنساني. لا تزال ميزانية 2025 – 2026، غير معتمدة، مما يجبر الوزارات والوكالات الحكومية على العمل بأموال الطوارئ. ونتيجة لذلك، تتأخر رواتب الموظفين المدنيين، وتعاني الخدمات العامة الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.

ويشير الدكتور ميامينغي إلى أن توزيع اللقاحات قد توقف، وتجمدت عدة مشاريع إنسانية حيوية، مما يجعل الفئات الأكثر ضعفا هي من تدفع الثمن الأكبر.

دور مجلس الوزراء في حكومة جنوب السودان

من الضروري التأكيد على أن مجلس الوزراء ليس مجرد مؤسسة رمزية؛ بل هو محرك الحوكمة في جنوب السودان. فالمادة 109 من دستور جنوب السودان الانتقالي تمنحه صلاحيات واسعة كأعلى سلطة تنفيذية مسؤولة عن صياغة السياسات، والموافقة على الميزانية، وتنفيذ القوانين. ومن ثم، فإن الشلل يعني عدم إمكانية اعتماد أي سياسات جديدة أو التصديق على أي ميزانيات، مما يجعل حكومة جنوب السودان “مشلولة فعليا”.

سبيل الخروج من الأزمة

يقترح المراقبون ثلاث خطوات عاجلة للخروج من هذا المأزق:

أولاً: الإفراج غير المشروط عن النائب الأول للرئيس وزعيم المعارضة رياك مشار، لإعادة بناء الثقة بالفترة الانتقالية.

ثانياً: بدء حوار رفيع المستوى تحت وساطة إقليمية من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيقاد” أو الاتحاد الأفريقي.

ثالياً: الاستئناف الفوري لاجتماعات مجلس الوزراء لإعادة تنشيط الحوكمة وتنفيذ بنود اتفاق السلام.