حذّر سكان ومسؤولون محليون في ولاية وسط دارفور، من تدهور بيئي خطير في بلدة تور كولمي التابعة لمحلية وادي صالح، بعد تسجيل حالات نفوق جماعي للمواشي، يُعتقد أنها ناجمة عن تلوث المياه بمادة السيانيد المستخدمة في التنقيب الأهلي عن الذهب.
وقال العمدة بابكر محمد عثمان، رئيس لجنة التعايش السلمي بوحدة تريج الإدارية، لراديو تمازج إن “بلاغات متعددة وردت من سكان تور كولمي تشير إلى نفوق عدد كبير من الإبل والأبقار حول مناجم الذهب في وادي أريبا، بسبب تلوث مصادر المياه بمادة السيانيد”.
وأضاف أنه زار المنطقة برفقة قيادات أهلية، وشاهدوا انتشار السيانيد بطول الوادي، مشيرًا إلى أن مسؤولي التنقيب في المنطقة اعترفوا بخطورة المادة على الحيوانات، بينما نفوا وجود تأثير مباشر على صحة الإنسان.
“رأينا حمارًا ينفق على الفور بعد شربه من بئر قريبة من أحواض السيانيد”، قال العمدة بابكر، مؤكدًا أن الأثر المباشر للسيانيد أصبح ملموسًا، وطالب وزارة الصحة في الولاية بالتدخل العاجل لتقييم المخاطر البيئية والصحية وتقديم المعالجات الضرورية.
من جانبه، أوضح الفني التقني ياسين عبد المطلب أن السيانيد مادة شديدة السمية، وتشكل خطرًا مباشرًا على الإنسان والحيوان والبيئة، محذرًا من تفاعلها الكيميائي مع عناصر مثل الصوديوم والبوتاسيوم، ما يؤدي إلى تعطيل فعالية علاج أمراض مثل الغدة الدرقية.
وأضاف: “السيانيد يهاجم جهاز المناعة CD4 في جسم الإنسان، وقد يتسبب في أمراض خطيرة، بينها السرطان. إنها المادة الأولى في قائمة المسببات السرطانية.”
وأشار عبد المطلب إلى أن بعض مناطق شمال السودان، مثل دقلو المحس، منعت استخدام السيانيد قرب المناطق السكنية، وتم توقيف شركة تركية كانت تنقّب على بعد 25 كيلومترًا من أقرب تجمع سكاني. لكن الوضع في تور كولمي مختلف تمامًا، إذ تنتشر أحواض السيانيد وسط مجاري المياه وآبار الشرب.
وتثير هذه التطورات مخاوف واسعة مع اقتراب موسم الأمطار، إذ يُخشى من جرف السيانيد المترسّب في التربة نحو مناطق أوسع بفعل السيول، مما قد يهدد حياة الآلاف.
وتضم منطقة تور كولمي أكثر من أربعة مناجم للتنقيب الأهلي عن الذهب. وتفاقمت الأزمة البيئية بعد انسحاب الشركات من المنطقة في أعقاب اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تاركة خلفها كميات كبيرة من السيانيد، بات السكان يستخدمونها بوسائل بدائية في التنقيب عن الذهب، دون إشراف أو رقابة صحية.
ويأتي هذا التلوث البيئي في ظل أزمة صحية متزايدة تشهدها الولاية، حيث تم تسجيل أكثر من 9,000 حالة إصابة بمرض الغدة الدرقية في تريج وتور كولمي، وهو ما ربطه بعض الفنيين بنقص عنصر اليود في المياه وتفاعل هذا العنصر مع ملوثات مثل السيانيد.
ويطالب الأهالي بتحرك عاجل من السلطات الاتحادية ومنظمات الصحة والبيئة، لتقييم الأوضاع، إيقاف استخدام السيانيد، وتقديم حلول عاجلة تحد من اتساع الكارثة البيئية والإنسانية.