شركة “بي بي” للطاقة تُجمِّد شحنة نفط جنوب السودان قيمتها ٢٠ مليون دولار بأمر محكمة لندن لضمان سداد قرض مالي

فازت شركة “بي بي” للطاقة وهي شركة طاقة عالمية، يوم الثلاثاء بحكم قضائي في اللحظة الأخيرة لمنع حكومة جنوب السودان من بيع شحنة نفط تُقدَّر قيمتها بـ 20 مليون دولار على الأقل، وكان من المقرر شحنها الأسبوع المقبل، وذلك في سعيها لاسترداد قرض بقيمة 100 مليون دولار منحته لإحدى أفقر دول العالم.

وذكرت شركة مراجعة التجارة العالمية GTR، وهي شركة نشر وفعاليات مستقلة وذات سمعة طيبة، يوم الثلاثاء أن قاضي المحكمة العليا في لندن، كريستوفر بوتشر، قال في جلسة استماع يوم 18 نوفمبر إنه سيمنح أمراً قضائياً عاجلاً يمنع حكومة جنوب السودان من تسليم أو التصرُّف بأي شكل آخر في شحنة نفط خام تبلغ 600 ألف برميل، كان من المقرر رفعها من بورتسودان في 27 نوفمبر، وذلك بانتظار جلسة استماع أخرى.

في يونيو، رفعت شركة “بي بي” للطاقة دعوى قضائية ضد جنوب السودان؛ بسبب عدم تسليم شحنة نفط خام، مما يسلط الضوء على المخاطر التجارية المتصاعدة التي تواجه الشركات العاملة في جنوب السودان، ووفقاً للمصادر، تنبع القضية من صفقة دفع مسبق في عام 2024 لشحنة من خام “دار بلند” (Dar Blend)، وهو نفط خام ثقيل، ويُباع في الغالب لعملاء في الإمارات العربية المتحدة وآسيا.

وزعمت شركة “بي بي” للطاقة، وشركة DMCC، وهي وحدة إماراتية تابعة للشركة التجارية للسلع التي تتخذ من لندن مقراً لها، أنه قد وُعِدت بالنفط بموجب اتفاقية دفع مسبق.

وتسلِّط هذه المناورة القانونية الضوء على تكتيك جديد في جهود المقرضين لاسترداد حوالي 2.3 مليار دولار أمريكي تدين بها جنوب السودان في قروض مضمونة بالنفط، وتؤكد خطورة الديون المضمونة بالموارد التي يقدِّمها تجار السلع للدول النامية.

وذكرت المحكمة أن الأمر القضائي سيمنع تحديداً نقل الشحنة إلى شركة “يورو أمريكان للطاقة- Euro American Energy، التجارية ومقرها دبي، أو شركة “كاثاي بتروليوم إنترناشيونال-Cathay Petroleum International Pte Ltd، السنغافورية، اللتين أعلنتا اعتزامهما شراء النفط.

وقال محامٍ يمثل شركة “بي بي للطاقة، إن أياً من الشركتين التجاريتين لم يدفع دفعة مسبقة مقابل السلع.

ودفعت “بي بي للطاقة” مبلغ 100 مليون دولار لجنوب السودان في فبراير من هذا العام، وقد استخدمت الحكومة هذا المبلغ فوراً لدفع ثمن حصص شركة النفط الماليزية العملاقة “بتروناس” في كيانين، وفقاً لحكم شفوي أصدره القاضي بوتشر.

اُستُخدِمَ المال لـ “تمويل تسوية نزاع طويل الأمد” بين سلطات جنوب السودان و”بتروناس”، التي أنهت نشاطها لإنتاج النفط في البلاد في أغسطس من العام الماضي.

كانت جنوب السودان قد وافقت على سداد قرض “بي بي للطاقة” عن طريق تسليم خمس شحنات من خام “دار” أو “النيل بلند” على مدار هذا العام. لكن الحكومة فشلت في تسليم أي من الشحنات المتوقعة أو سداد دفعات نقدية، وفقاً لأدلة “بي بي للطاقة”.

وقال القاضي بوتشر “هذا ليس بسبب عدم وجود شحنات، بل كانت هناك شحنات بالفعل، لكن عوضا عن تسليمها إلى المدعي، قامت جمهورية جنوب السودان ببيعها لأطراف ثالثة”.

يعني عدم تسليم الشحنات أن “بي بي للطاقة” تُدَان حالياً بمبلغ 61.5 مليون دولار بموجب اتفاقية الدفع المسبق مع البلاد، ومن المقرر أن يرتفع المبلغ إذا لم تُسَلَّم الشحنات المتبقية.

وقال القاضي، مستشهداً بأدلة الشركة التجارية، إن السلطات في الدولة التي تعاني ضائقة مالية طالبت “بي بي للطاقة”، قبل التسليم المتوقعة في أبريل ومايو الماضيين، بتقديم دفعات إضافية بقيمة 25 مليون دولار في غضون يومين مقابل الشحنات. وعندما لم يتم السداد، سُلِّم النفط لمشترين آخرين.

لم تُمثَّل جنوب السودان ولا شركة “النيل للنفط” Nile Petroleum، وهي شركة نفط مملوكة للدولة أمام المحكمة. وقال القاضي إنها ضمنت ترتيب الدفع المسبق، في المحكمة، كما لم ترد على الرسائل القانونية من “بي بي للطاقة”.

وقال القاضي بوتشر إنه اقتنع بإصدار الأمر القضائي بدلاً من منح “بي بي للطاقة” تعويضات، لأنه “هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن أياً من جنوب السودان أو النيل للنفط ليس لديه الأموال اللازمة للوفاء بأي حكم بقيمة شحنة 27 نوفمبر، والتي من المرجح أن تتجاوز عشرين مليون دولار”.

وأشار إلى تصنيف منظمة الشفافية الدولية لجنوب السودان على أنها الدولة الأكثر فساداً في العالم كأحد الأسباب التي تجعل محاولة تنفيذ حكم قضائي إنجليزي في محاكم الدولة عملية “ملتوية، وتستغرق وقتاً طويلاً.

وسيُستخدم الأمر القضائي الذي سيصدر عن المحكمة لمنع تحريك النفط من مرافق الميناء الواقعة في جمهورية السودان، وتُصدِّر جنوب السودان معظم إنتاجها عبر خط أنابيب يمر عبر جارتها الشمالية.

وسيتضمن الأمر أيضاً بنداً يلزم “بي بي للطاقة” بتعويض جنوب السودان و “كاثاي بتروليوم إنترناشيونال” بضمان مصرفي يصل إلى خمسة وعشرين مليون دولار إذا تكبَّد أي من الطرفين تكاليف أو أضراراً ناجمة عن الأمر القضائي، مثل تكاليف التخزين والمناولة الإضافية.

تأتي جلسة الاستماع في لندن بعد أن أكدت وزارة النفط في جنوب السودان الأسبوع الماضي أنها طلبت قروضاً من شركة الصين الوطنية للخدمات البترولية “CNPC” وشركة النفط الهندية “أو إن جي سي فيديش” بقيمة 1.5 مليار دولار ومليار دولار على التوالي، على أن يتم سدادها عبر شحنات نفطية.

ورفضت شركة “بي بي للطاقة” على التعليق. ولم ترد وزارة المالية في جنوب السودان فورا على طلب للتعليق.

اعتمدت جنوب السودان إلى حد بعيد على الدفعات المسبقة من تجار النفط والمصارف لتمويل ميزانيتها، لكن العديد من هذه القروض المتأخرة سقطت في التخلف عن السداد.

بلغت الديون المستحقة على البلاد والمضمونة بالنفط حوالي 2.3 مليار دولار أمريكي اعتباراً من يوليو، وفقاً لتحليل سابق لـ GTR لسجلات المحاكم، والوثائق الحكومية، وتقديرات الأمم المتحدة. ومن بين المقرضين البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير (أفريكسم”، وبنك قطر الوطني (QNB)، والشركة التجارية للنفط ومقرها الإمارات العربية المتحدة.

في وقت سابق من هذا العام، حصل “أفريكسم بنك” على حكم من محكمة في لندن بقيمة 657 مليون دولار من جنوب السودان، لكن مسؤولاً في البنك قال لاحقاً لراديو تمازج إن الجانبين توصَّلا إلى “تفاهم” حول الدين.

كما رفعت شركة النفط “فيتول” دعوى قضائية ضد جنوب السودان في وقت سابق من هذا العام، لكنها قالت لاحقاً إن النزاع قد “حُلَّ”.

وقال رئيس مجموعة البنك الأفريقي للتنمية، أكينوومي أديسينا، في عام 2023 إن “القروض المضمونة بالموارد الطبيعية غير شفافة ومكلفة، وتجعل تسوية الديون صعبة”، وإذا استمرت، “ستكون كارثة لأفريقيا”.

وذكر بيان صادر عن البنك الأفريقي للتنمية وقتئذ أن المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، قالت إن هذه القروض يمكن أن تكون “جشعة ومُستعبِدة”.

وأشار تقرير صادر عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر إلى أن جنوب السودان تخسر إيرادات نفطية تشتد حاجتها إليها من خلال تقديم أسعار مخفَّضة للمشترين، وذلك جزئياً لمراعاة مخاطر عدم السداد. وقدَّر التقرير أن الحكومة خسرت 390 مليون دولار من الإيرادات المحتملة بين عامي 2022 و 2024 وحدهما.

كما أشار تقرير أممي إلى أن المشترين يواجهون “مشاكل متزايدة في تأمين التمويل التجاري والتأمين لمشتريات شحنات النفط من جنوب السودان”، مما لا يترك سوى الشركات القادرة على العمل بدون تمويل خارجي أو الراغبة في تقديم ائتمان للبلاد.