جدل واسع في السودان حول قرارات تنظيم النقابات… وسط اتهامات بانتهاك الحريات العمالية

تصاعدت حدة الانتقادات في الأوساط النقابية والقانونية السودانية، عقب قرارات مثيرة للجدل أصدرتها السلطات أواخر مايو الماضي، اعتبرها ناشطون ونقابيون انتهاكًا للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحرية التنظيم النقابي، ومحاولة لإعادة تمكين عناصر النظام السابق في المشهد النقابي.

وأصدرت المستشارة آمنة الصادق كُبُر، المسجل العام لتنظيمات العمل، في 29 مايو 2025، قرارات تقضي بإنهاء الدورة الانتخابية لجميع المكاتب التنفيذية للنقابات والاتحادات المهنية وتنظيمات أصحاب العمل، وتحويلها إلى لجان تمهيدية.

 وجاءت هذه الخطوة قبل يومين فقط من إصدار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان مرسوماً دستورياً (رقم 4) قضى بإلغاء قرار سابق بتجميد عمل هذه التنظيمات.

ويرى قانونيون أن هذا التباين الزمني في صدور القرارات يثير تساؤلات حول المشروعية القانونية، في ظل غياب بيئة ديمقراطية مستقرة، واستمرار النزاع المسلح في أجزاء واسعة من البلاد.

وقالت السلطات إن قراراتها تهدف إلى حماية أموال النقابات وممتلكاتها من التلاعب وسط النزاع القائم، وتجميد الحسابات البنكية مؤقتاً، وتنقية السجلات استعداداً لإجراء انتخابات “نزيهة” بعد استقرار الأوضاع.

 غير أن هذه التبريرات قوبلت بتشكيك واسع من نقابيين اعتبروها غطاءً لإعادة تشكيل النقابات بما يخدم مصالح سياسية.

وقال محمد التوم إسماعيل، قانوني وناشط نقابي، في حديث لـ”راديو تمازج”، إن قرار المسجل العام جاء خارج الترتيب القانوني، وسبق مرسوم رفع التجميد، مما يفقده السند القانوني. 

وأضاف أن “الهدف الحقيقي هو إعادة سيطرة عناصر النظام البائد على النقابات”، مشيرًا إلى أن الإجراءات تستند إلى قانون 2010 الذي يتعارض مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل السودان.

وشدد إسماعيل على أن قرار المسجل لا يشمل نقابة المحامين، لكنها مستهدفة بمرسوم السيادة، ما يعزز الشكوك بشأن محاولات السيطرة على الكيانات النقابية المستقلة.

وأصدرت لجنة المعلمين السودانيين بيانًا رفضت فيه مرسوم مجلس السيادة، معتبرة أنه “محاولة مكشوفة لإعادة إنتاج نقابات مسيّسة لا تعبّر عن إرادة القواعد”.

 وأشارت اللجنة إلى أن هذه الخطوات تتناقض مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87، المصادق عليها في 2021، والتي تضمن للعاملين حق التنظيم بحرية واستقلالية.

وقالت اللجنة إن إصدار القرار في ظل ما وصفته بـ”الانهيار العام” يعكس نية لإعادة نقابات النظام السابق، مطالبة بإلغاء القوانين المقيدة، وعلى رأسها قانون النقابات لسنة 2010، وسن قانون ديمقراطي يضمن الحريات النقابية.

من جانبها، أدانت تنسيقية المهنيين والنقابات القرار، واصفة إياه بـ”محاولة لتمرير أجسام نقابية تابعة للنظام السابق تحت غطاء لجان تمهيدية”.

 وأكدت أن النقابات يجب أن تُدار بإرادة العاملين، وليس بقرارات فوقية من سلطة “مختطفة”، داعية إلى مقاطعة أي كيان يُشكّل خارج الأطر الديمقراطية.

كما عبّر القانوني المعز حضر عن رفضه للقرار، واصفًا إياه بـ”غير القانوني وغير المشروع”، وقال إنه “جاء في توقيت خاطئ، بينما يعاني معظم العاملين من النزوح أو مغادرة البلاد”، مضيفًا أن مثل هذه القرارات “تفتقر إلى الشرعية، ولا تخدم أولويات الشعب المتمثلة في وقف الحرب وتوفير الاحتياجات الأساسية”.