في ظل نزاع مستعر ينهش أطراف السودان، تتفاقم الأزمة الصحية والدوائية، خصوصاً في دارفور والخرطوم والجزيرة ، منظمة أطباء بلا حدود، وهي من بين المؤسسات القليلة التي لا تزال تنشط في هذه المناطق، ترصد وضعًا كارثيًا يهدد حياة المدنيين، وتواجه تحديات هائلة لإيصال الرعاية الطبية.
في هذا الحوار، يتحدث الدكتور علي المحمد، مدير الطوارئ الصحية بمنظمة أطباء بلا حدود، كاشفًا تفاصيل ميدانية صادمة عن الوضع الإنساني وتبعات الحرب على النظام الصحي…
كيف تصفون الوضع الدوائي الحالي في السودان؟ وهل هناك مناطق تعاني بشكل أكثر حدة من غيرها؟
توفر الإمدادات الطبية في السودان منخفض للغاية، خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاع. في دارفور، الوضع مقلق بشكل خاص؛ فالعنف المستمر، وانعدام الأمن، والعوائق اللوجستية أدت إلى تعطيل شديد في توفير الأدوية والمعدات الأساسية.
نقل الإمدادات عبر الحدود وخطوط الجبهة يظل تحديًا كبيرًا بسبب القيود الأمنية والإدارية. غالبًا ما تعمل المرافق الصحية دون أبسط المواد، ويواجه المرضى صعوبة في الحصول حتى على العلاجات الروتينية. كما تعاني مناطق أخرى، مثل الخرطوم والجزيرة، من نقص حاد نتيجة تدمير البنية التحتية الصحية، والانقطاعات المتكررة للكهرباء، والغياب المحدود للجهات الإنسانية، وصعوبة الوصول الإنساني. على مستوى البلاد، أدت انهيارات سلاسل الإمداد إلى ترك المجتمعات دون الدعم الطبي الذي تحتاجه بشدة.
ما أبرز التحديات التي تواجهونها في إيصال الأدوية والإمدادات الطبية إلى ولايات متضررة مثل دارفور والخرطوم والجزيرة؟
التحديات ضخمة ومعقدة. فعدم الاستقرار والصراع النشط يجعلان الكثير من الطرق غير آمنة أو غير سالكة، خصوصًا في موسم الأمطار. تؤدي القيود البيروقراطية إلى تأخير أو منع حركة القوافل الإنسانية. وفي دارفور، يتفاقم الوضع بسبب المسافات الشاسعة، وسوء حالة الطرق، وقلة نقاط الدخول للمساعدات. كل هذه العقبات تعرقل بشكل كبير إيصال الإمدادات الطبية المنقذة للحياة في الوقت المناسب.
هل لديكم مخزونات استراتيجية داخل السودان، أم أنكم تعتمدون بالكامل على الإمدادات الخارجية؟
معظم الإمدادات الطبية يتم توفيرها من الخارج لضمان الوصول الدائم إلى مواد ذات جودة عالية. على سبيل المثال، يتم تزويد عمليات أطباء بلا حدود في دارفور عبر تشاد، وغالبًا ما تُطلب الشحنات من العاصمة نجامينا، التي تبعد حوالي 900 كيلومتر عن الحدود السودانية. ورغم أن التحضير المسبق للإمدادات يمثل أولوية، خاصة قبل موسم الأمطار، فإن الحواجز اللوجستية والإدارية لا تزال تقيد القدرة على بناء وصيانة مخزونات استراتيجية داخل البلاد.
ما ردكم على التقارير التي تفيد بأن الأطراف المتحاربة تستخدم الدواء كأداة ضغط أو عقاب جماعي؟
إن التأخيرات البيروقراطية، ونقاط التفتيش، وحالات الحصار منعت إيصال الأدوية والمعدات الأساسية إلى المناطق التي تعاني من احتياج شديد. هذا الاستخدام السياسي للمساعدات يعد انتهاكًا صارخًا للمبادئ الإنسانية، وله عواقب مدمرة على المدنيين، خاصة في مناطق مثل دارفور، حيث الاحتياجات في ذروتها.
هل تعرّضت منشآتكم أو موظفوكم للاستهداف المباشر أثناء النزاع؟
نعم. وثّقت أطباء بلا حدود أكثر من 80 حادثة عنف طالت موظفينا، ومنشآتنا، ومركباتنا، وإمداداتنا. تعرّضت مراكز صحية للنهب والتدمير، وأُطلقت النيران على سيارات إسعاف، وتعرّض العاملون في المجال الصحي للاعتداء والتهديد، بل والقتل في بعض الحالات. أدت هذه الهجمات إلى تعليق خدمات أساسية في عدة مناطق مثل الخرطوم، وأثّرت بشكل خطير على قدرتنا على تقديم الرعاية.
ما مدى انتشار حالات الاغتصاب والعنف الجنسي التي لوحظت في دارفور وغيرها من مناطق النزاع؟ وهل توجد قنوات آمنة للإبلاغ عنها وتقديم الدعم النفسي والطبي للناجيات؟
العنف الجنسي منتشر بشكل مقلق، خاصة في دارفور. بين يناير 2024 ومارس 2025، قدّمت أطباء بلا حدود الرعاية لـ659 ناجية في جنوب دارفور فقط، وأكثر من نصف هذه الانتهاكات ارتُكبت على يد مسلحين. كثير من الضحايا من الأطفال والمراهقين. وهذه الحالات تمثل فقط من تمكن من الوصول إلى منشآتنا المدعومة، ونعتقد أن هناك حالات عديدة غير مُبلَّغ عنها بسبب ضعف الوصول إلى المرافق العاملة والوصمة الاجتماعية المرتبطة بالعنف الجنسي. رغم تقديمنا للرعاية الطبية الطارئة والدعم النفسي، فإن الوصول إلى هذه الخدمات يظل محدودًا بسبب الوضع الأمني، والوصمة، وانهيار البنية التحتية الصحية.
هل هناك ضغوط سياسية أو أمنية تعيق عملكم؟
في ظل الوضع الحالي في السودان، من الضروري التأكيد على حياد أطباء بلا حدود. نحن منظمة طبية إنسانية نعمل بشكل مستقل ومحايد، ونسترشد بالأخلاقيات الطبية، مع ضمان أن تُقدَّم الرعاية بناءً على الحاجة فقط.