طالبت حكومة جنوب السودان رسميًا بخطوات جذرية لإعادة تشكيل بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، يشمل تخفيض القوات العسكرية الدولية بنسبة 70%. ووقف تحليق الطائرات جميعها ذات قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية، وإغلاق العديد من القواعد العسكرية ومواقع حماية المدنيين.
يمثل هذا التوجيه، الذي ورد في مذكرة دبلوماسية صادرة عن وزارة الخارجية بجنوب السودان بتاريخ 28 أكتوبر 2025، وحصل عليه راديو تمازج، التحدي الأكبر إطلاقا لإحدى أكبر عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وفي حال تنفيذها، فإن هذه المطالب ستغير بشكل جذري قدرة البعثة على العمل في أحدث دولة في العالم.
وطالبت المذكرة بـالوقف الفوري لجميع طائرات المروحية التابعة لبعثة الأممية وأي طائرات مزودة بقدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وكاميرات التجسس، ومن شأن هذه القيود أن تحد إلى حد بعيد من قدرة البعثة على مراقبة مناطق النزاع وحماية المدنيين.
كما دعت المذكرة إلى “إغلاق القواعد التشغيلية المؤقتة للبعثة ومقرات حماية المدنيين التي توفر مأوى لمئات الآلاف من النازحين؛ بسبب الحرب الأهلية وموجات العنف القبلي في جنوب السودان منذ عام 2013.
وفقًا للحكومة، يجب أن ينطبق التخفيض بنسبة 70% فقط على الوحدات العسكرية الدولية، وليس القوات الإقليمية “. وتم استثناء “القوات الأفريقية، ووحدات الهندسة العسكرية الدولية، ووحدات الخدمات البيطرية والطبية” من التخفيضات المقترحة.
ويشير هذا التفضيل إلى رغبة جوبا في الإبقاء على القوات الأفريقية الإقليمية مع التقليل بشدة من الوجود العسكري الغربي.
وشددت المذكرة كذلك على أن أي تخفيضات في عدد الموظفين يجب أن “تأخذ في الاعتبار المعاملة التفضيلية للموظفين الوطنيين من جنوب السودان”، وأن “التخفيض المقترح بنسبة 28% من قبل البعثة يجب أن يقتصر على الموظفين الدوليين فقط”.
بينما أصرت الحكومة على الحفاظ على التفويض الحالي لبعثة الأممية، دون تغييرات بانتظار المراجعة في الوقت الملائم “، إلا أنها قالت إن تقليص الحجم يجب أن يتم “على مراحل، عوضا عن التقليص المفاجئ لتحقيق التماثل”.
وأكدت أن هذه الخطوة تهدف إلى حماية “السيادة الوطنية، وحماية المدنيين، والحفاظ على المكونات المدنية للأمم المتحدة”، مما يوحي برغبتها في الاحتفاظ بالأنشطة الإنسانية والتنموية للأمم المتحدة مع تقليص العمليات العسكرية.
وطالبت الحكومة بتقييد عمل بعثة الأممية ليكون من خلال ثلاثة مقرات إقليمية فقط هي: جوبا، وواو، وملكال، مع الاحتفاظ بالموظفين المدنيين فقط في عواصم الولايات الأخرى. وستؤدي هذه الخطة فعليًا إلى إزالة البصمة العسكرية للبعثة من معظم أنحاء البلاد.
كما جددت الحكومة مطالبتها بإنهاء نقل البعثة الأمية من مجمع الأمم المتحدة في تونقينج قرب مطار جوبا إلى مجمع بيت الأمم المتحدة، وفقًا للمراحل المتفق عليها سابقا.
علاوة على ذلك، تسعى الحكومة لمزيد من السيطرة على قيادة البعثة، حيث أصرت على أن يكون أي بديل لقائد القوة الحالي متفقًا عليه بشكل متبادل، ويفضل أن يكون من دولة أفريقية. ودعت المذكرة أيضا إلى مراجعة اتفاقية وضع القوات SOFA، وهي الإطار القانوني الذي يحكم عمليات الأمم المتحدة في جنوب السودان.
وتأتي هذه المطالب في الوقت الذي مدد فيه مجلس الأمن الدولي تفويض البعثة الأممية لمدة عام آخر في مايو هذا العام، مع الإبقاء على سقف 17 ألف جندي و 2,101 شرطي.
وصرحت المتحدثة باسم بعثة الأمم المتحدة بجنوب السودان، فريانكا شودري، لراديو تمازج “بأن البعثة “تتواصل بشكل بناء مع شركائها الحكوميين فيما يتعلق بالتدابير الطارئة التي تتخذها البعثة الأممية بسبب القيود المالية الشديدة التي تواجهها الأمم المتحدة عالميًا”، مؤكدة على تقدير البعثة لاهتمامات الحكومة وتعاونها.
من جانبه قال إدموند ياكاني، الناشط البارز في المجتمع المدني، إن تخفيض القوات المقترح قد أثار ردود فعل متباينة بين الجمهور، حيث “تفاجأ المواطنون العاديون الذين يرون دور بعثة الأمم المتحدة بالتقليص”.
وأشار إلى أن بعض المسؤولين قد يرون في هذه الخطوة فرصة للضغط على البعثة للمغادرة، أو لتجنب التدقيق الدولي “في مسائل المساءلة السياسية واحترام حقوق الإنسان”.




