قال شهود عيان وناشطون إن سكان أحياء جنوبية في بورتسودان تلقوا تحذيرات من الجيش السوداني قبل نحو ساعتين من ضربات جوية استهدفت مواقع استراتيجية في المدينة يوم الأحد، في تصعيد غير مسبوق منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام، بينما تفاقمت أوضاع الخدمات الأساسية، وارتفعت وتيرة النزوح.
وأوضح الناشط عبدالله محمد لراديو تمازج ، أن القوات المسلحة حذرت في وقت مبكر من الأحد سكان أحياء قريبة من مطار بورتسودان ومستودعات الوقود بالمغادرة، وهو ما يثير تساؤلات بشأن ما إذا كانت السلطات تملك معلومات استخباراتية مسبقة عن الهجمات.
وأضاف “في حوالي الساعة الواحدة صباحًا، جاءت قوات من الجيش، وطلبت من السكان مغادرة منازلهم. كان ذلك قبل ساعتين من الهجوم”.
ضربات متزامنة
استهدفت الضربات مستودع وقود في مطار بورتسودان الدولي، ومستودعات تابعة لشركات نفطية بينها “أويل إنرجي” و”النيل”، إضافة إلى قاعدة فلامنجو العسكرية وفندق مارينا كورال، بحسب شهود. كما طالت الضربات محطة تحويل الكهرباء الرئيسية في المدينة، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء والمياه، وفق ما أفاد ناشطون.
وقال أحمد برير، ناشط اجتماعي، إن “الحرائق استمرت ليومين، وانبعثت غازات سامة أثرت على الأطفال وكبار السن، بينما فشلت فرق الدفاع المدني في احتواء النيران بسبب ضعف الإمكانيات”.
نزوح جماعي وقلق متصاعد
وأدت الهجمات إلى نزوح مئات السكان من أحياء مجاورة للمطار ومناطق صناعية إلى مناطق ريفية في ولاية البحر الأحمر، في مشهد وصفه شهود بأنه “نادر منذ اندلاع الحرب”.
وتعد المدينة مركزًا حيويًا للطاقة والبنية التحتية، حيث تمر عبرها إمدادات الوقود والمساعدات، ما يجعلها هدفًا استراتيجيًا في النزاع المستمر.
وقال عبدالله إن “سيارات كبيرة غادرت المدينة باتجاه الأرياف، وبعض العائلات لجأت إلى أقاربها في مناطق أكثر أمانًا”.
وفي الوقت نفسه، أغلقت السلطات السوق الرئيسي بالمدينة، وفرضت إجراءات أمنية وصفت بالمشددة، من بينها حملات تفتيش تستهدف “الوجوه الغريبة”، ما أثار قلق السكان، وزاد من حالة التوتر.
وأضاف عبدالله أن “قوات تابعة للخلية الأمنية، التي تُعرف بارتباطها بالحركة الإسلامية، أبلغت أصحاب المقاهي بضرورة الإغلاق لمدة ثلاثة أيام”، ما أثار استياء العاملين فيها.
شلل في الخدمات
وأدت الضربات إلى أزمة حادة في الوقود، إذ قال ناشطون إن معظم محطات الوقود أُغلقت، فيما ظهرت صفوف طويلة أمام عدد محدود من المحطات العاملة. كما اشتدت أزمة الكهرباء والمياه التي تعاني منها المدينة منذ أكثر من أسبوعين.
وذكر أحمد برير أن “موقف البصات شهد ازدحامًا غير مسبوق، خاصة إلى ولايتي كسلا والقضارف، مع إعلان بعض العاملين في المطار توقفهم عن العمل خشية على سلامتهم”.
ضربة سياسية وأمنية
ويرى المحلل السياسي محمد علي دقنة أن الضربات تشكل تحديًا كبيرًا للسلطات السودانية، التي اتخذت من بورتسودان مقرًا مؤقتًا، وتُعد المدينة مركزًا حيويًا للنشاط السياسي والاقتصادي في شرق السودان.
وقال دقنة إن “الضربات تقوّض رواية الاستقرار التي روجت لها الحكومة، وتفرض على الجيش إعادة توزيع موارده لحماية المدينة، ما قد يؤثر على جبهات القتال الأخرى”.
وأضاف أن “تعطيل المطار والميناء سيفاقم من أزمة الإمدادات الإنسانية، وسيزيد الضغط على المدنيين الذين يعانون أصلاً من تدهور في الأوضاع المعيشية “، محذرًا من أن “الأثر النفسي للهجمات سيكون عميقًا، لا سيما وأن بورتسودان كانت تعتبر من المناطق الآمنة نسبيًا منذ بداية الحرب”