من أطلق المسيّرات التي أربكت بورتسودان؟

في صباح يوم الأربعاء، 7 مايو 2025، تعرضت قاعدة فلامنجو البحرية في مدينة بورتسودان لهجوم بطائرات مسيّرة، في تصعيد جديد ضمن النزاع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 

أفادت مصادر عسكرية بأن الدفاعات الجوية السودانية تصدت للهجوم، حيث سُمع دوي المضادات الأرضية والانفجارات المتتالية لمدة نصف ساعة في شمال المدينة، حيث تقع القاعدة البحرية.

الهجوم على قاعدة فلامنجو يأتي ضمن سلسلة من هجمات بطائرات مسيّرة هزت مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة السودانية، مستهدفة مواقع حيوية بينها محيط المطار، ومستودعات الغاز، ومحطة للكهرباء، بالإضافة إلى فندق “مارينا كورال” القريب من مقر إقامة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في تطور وصفه مراقبون بـ”الاختراق غير المسبوق”.

ورغم عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها، سارع الجيش السوداني إلى اتهام قوات الدعم السريع بالوقوف وراء الهجمات، لكنه في المقابل لمّح بشكل مباشر إلى “ضلوع خارجي”، متهمًا دولة الإمارات بالوقوف وراء إمداد الدعم السريع بالتقنيات المستخدمة.

اتهامات رسمية للإمارات

وقال وزير الإعلام السوداني، خالد الأعيسر، في تصريح متلفز إن “الدعم السريع لا يملك هذه الإمكانيات التقنية دون دعم خارجي، ولدينا أدلة دامغة على أن المسيّرات مصدرها دولة الإمارات”. 

كما صرح وزير الدفاع بأن “الإمارات تورّطت في إرسال معدات عسكرية متطورة إلى الدعم السريع، بينها طائرات مسيّرة تم استخدامها مؤخرًا في بورتسودان”.

 وأضاف “الهجوم الأخير هو امتداد لما شهدناه في الجزيرة ونهر النيل وسنار”.

فيما اكتفى الجيش السوداني في بيانه الرسمي بالإشارة إلى أن الهجمات تحمل بصمات نفس الطائرات التي استُخدمت سابقًا في سد مروي وعطبرة، مضيفًا أن “محاولة استهداف القيادة السياسية والعسكرية تُعد تصعيدًا خطيرًا، ولن نتهاون في الرد على مصادر التهديد”.

الشرطة تدون بلاغات 

وفي وقت متأخر مساء يوم الأربعاء أعلنت شرطة ولاية البحر الأحمر، إلقاء القبض على عدد من المشتبه بهم في إطلاق الطائرات المسيّرة، وتم تدوين بلاغات في مواجهتهم وتسليمهم إلى أقسام شرطة حي المطار والقسم الأوسط، إضافة إلى الخلية الأمنية المختصة.

وذكرت في بيان أنها نشرت وحدات أمنية مشتركة في الأحياء السكنية والمناطق المحيطة بالميناء الجنوبي بمدينة بورتسودان.

رواية من قلب المدينة

في حي سلالاب بمدينة بورتسودان، سُمع دوي انفجارات متتالية. يقول مواطن فضل حجب اسمه، إنه رأى المسيّرة “تنطلق من جهة الجنوب الغربي للمدينة، تحديدًا من تخوم جبل سيتاب، قبل أن تحوم فوق المطار، وتنفجر بالقرب من محطة الكهرباء”.

 وأضاف لـ”تمازج”:” المسيرة لم تأت من البحر، بل من مواقع يبدو أنها ليست بعيدة عن أطراف المدينة. 

 وأغلقت السلطات المجال الجوي، وأعلنت حالة استنفار أمني شاملة، تزامنًا مع تحركات عسكرية غير مسبوقة في المدينة التي بقيت حتى وقت قريب بعيدة عن جبهات القتال.

تحوّل استراتيجي

 وأوضح محلل البيانات حسان الناصر أن أول استخدام مسجّل لهذه الطائرات يعود إلى أبريل 2024، حين استُخدمت مسيّرة من طراز “كوادكوبتر” لقصف أهداف مدنية جنوبي الخرطوم بالتزامن مع سقوط الاحتياطي المركزي ومصنع اليرموك.

وأشار الناصر إلى أن استخدام المسيّرات توسع لاحقاً ليشمل مناطق متفرقة مثل القضارف وعطبرة والفاشر والأبيض وسنار وجبل موية، وبلغ ذروته في الهجوم الذي استهدف مراسم تخريج الكلية الحربية بحضور رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، عبر مسيّرة انتحارية محلية الصنع تُعرف باسم “عبّاد الشمس”.

وأضاف أن الدعم السريع لا يملك على الأرجح قدرات ذاتية كافية لتشغيل هذا النوع من المسيّرات، مرجحاً حصوله على دعم خارجي من خبراء أو شركات أجنبية تتولى مهام التوجيه والتشغيل.

لكن الجيش السوداني قدّم رواية مغايرة، حين قال اللواء معتصم عبد القادر إن التحليل العسكري يشير إلى أن المسيّرات جاءت من جهة البحر، مرجحاً إطلاقها من عرض البحر، أو من إقليم شمال الصومال.

 واتهم عبد القادر دولة الإمارات بالوقوف وراء الهجمات، مشيراً إلى أن الذخائر المستخدمة في القصف لا تُحمل عادة بواسطة مسيّرات، بل عبر طائرات حربية، ما يتجاوز قدرات الدعم السريع.

وأضاف أن الهجوم قد يكون نُفذ بطائرات إماراتية تم التمويه عليها باستخدام مسيّرات، بدعم استخباراتي خارجي، وربما بمساهمة إسرائيلية من سفن ترسو في البحر الأحمر. 

وقال إن استمرار هذه الضربات يهدد سلامة الطيران والملاحة في الميناء، ويؤثر على إمدادات الغاز والنفط، رغم تأكيد السلطات امتلاكها احتياطيات كافية وتشغيل خط أنابيب النفط القادم من جنوب السودان.

وحذر عبد القادر من تداعيات إقليمية محتملة، لافتاً إلى أن أي تصعيد في البحر الأحمر قد يهدد طرق تصدير النفط السعودي، ويدفع مصر وإريتريا ودول الخليج إلى التدخل خشية اتساع رقعة الصراع.

من جانبه، أعرب الأمين العام لحزب الأمة الواثق البرير عن قلقه من الانزلاق نحو حرب أهلية شاملة، قائلاً إن الجدل حول مصدر المسيّرات يجب ألا يصرف الأنظار عن الحاجة العاجلة لوقف الحرب. 

وأضاف أن الصراع ألحق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية، وأوقع خسائر فادحة بين المدنيين، داعياً السياسيين ووسائل الإعلام للتركيز على جهود السلام ووقف نزيف الدماء.

وتأتي هذه التصريحات في أعقاب سلسلة هجمات متكررة على بورتسودان، التي أصبحت المقر المؤقت للحكومة السودانية المعترف بها دولياً بعد سقوط العاصمة الخرطوم، وسط غموض مستمر بشأن هوية الجهة المنفذة وقدرات الأطراف المتحاربة على تنفيذ هجمات دقيقة وبعيدة المدى.

قال المستشار السابق في قوات الدعم السريع عمار سعيد إن الطائرات المسيّرة التي استهدفت مدينة بورتسودان مؤخرًا هي نفسها التي استخدمتها القوات في هجمات سابقة على عدة مدن ومواقع استراتيجية في البلاد، مشيرًا إلى أنها من نفس الطراز، سواء “المسيّرات الحديثة” أو “الانتحارية”.

وأوضح سعيد لراديو تمازج أن هذه المسيّرات سبق أن استخدمت في قصف مدينة الفاشر ووادي سيدنا وسد مروي، إلى جانب استهداف منشآت حيوية مثل محطات الكهرباء والوقود في مختلف ولايات السودان.

 وأضاف أن حطام المسيّرات التي عُثر عليها في بورتسودان يُطابق الحطام الذي تم جمعه في مواقع أخرى سبق استهدافها.

وتساءل سعيد عن أسباب الضجة الإعلامية المصاحبة لهجوم بورتسودان مقارنة بهجمات سابقة، مرجعًا ذلك إلى أربعة عوامل رئيسية، أولها أن بورتسودان تُعد حاليًا العاصمة المؤقتة للسودان، ما يمنحها رمزية خاصة. أما السبب الثاني، بحسب سعيد، فهو أن الجيش ضخّم من حجم الهجوم للتغطية على فشله في التصدي للمسيّرات، وخسائره في النهود والخوي، إضافة إلى عدم قدرته على فك الحصار عن مدينة الفاشر.

وأشار أيضًا إلى أن رفض المحكمة الدولية لدعوى السودان ضد الإمارات بتهمة الإبادة الجماعية أضعف موقف الحكومة، فيما اعتبر العامل الرابع مرتبطًا بوجود تيار داخل الجيش، مدعوم من الحركة الإسلامية، يدفع نحو تصعيد المواجهة والانضمام إلى محور يضم روسيا وإيران وتركيا.

وقال إن هذا التيار استخدم وسائل إعلام تابعة له لتوجيه الاتهامات للإمارات بالوقوف وراء الهجوم، ما أدى إلى ضغوط داخلية وخارجية دفعت السلطات إلى التلويح بقطع العلاقات مع أبوظبي.

 لكنه أضاف أن القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، الذي يقود التيار المهادن، وافق على هذه الخطوة بشكل تكتيكي، على أمل أن يتم استغلالها لاحقًا كمدخل لتسوية الخلافات عبر وساطة طرف ثالث.

الإمارات ترفض وتستنكر 

وفي أول رد فعل للإمارات أعلنت رفضها لقرار سلطة بورتسودان بقطع العلاقات الدبلوماسية، مؤكدة عدم اعترافها بشرعية هذه السلطة، ووصفتها بأنها “أحد طرفي الحرب” ولا تمثل الشعب السوداني. 

واعتبرت وزارة الخارجية الإماراتية القرار رد فعل على رفض محكمة العدل الدولية دعوى تقدمت بها السلطة السودانية، ووصفت تصريحاتها بـ”المشينة” ومناورة لعرقلة جهود السلام. 

وأكدت الإمارات دعمها المستمر للشعب السوداني، مشيرة إلى أن الجالية السودانية والزائرين لن يتأثروا بالقرار.

 وأضافت أن السودان بحاجة لقيادة مدنية مستقلة تضع مصالح الشعب أولاً، لا قيادة تقتل وتجوّع وتشرّد أبناء الوطن.