رأي: الحركة الشعبية أمام منعطف تاريخي

جنوب السودان

في سياق سياسي يتعطش فيه المواطن الجنوبي للتجديد، تأتي التغييرات الأخيرة داخل قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان
(SPLM-IG) كعلامة فارقة قد تكون بداية لعهد جديد طال انتظاره.

فعلى مدى سنوات، ظلت مواقع القيادة في الحزب محصورة في دائرة ضيقة من الرموز التاريخية، مما ولّد شعورًا عامًا بأن التغيير مجرد شعار.

غير أن التطورات الأخيرة، والتي تمثلت في إزاحة عدد م القيادات التاريخية، أبرزهم الدكتور جيمس واني إيقا (النائب الأول لرئيس الحزب)، الجنرال دانيال أووين أكوت (النائب الثاني)، والمهندس كوال منيانق جوك (النائب الثالث)، جاءت هذه المرة مختلفة في الشكل والمضمون.

لقد فتح تعيين الدكتور الشاب بنجامين بول ميل نائبًا أول لرئيس الحزب، ومعه مجموعة من الوجوه الشابة الأخرى، نافذة أمل في جدار الحزب الجامد، وطرح أسئلة ملحة:

هل نحن أمام تحول بنيوي حقيقي في ثقافة الحزب؟
هل هذا التغيير نابع من قناعة داخلية، أم هو استجابة لضغط المرحلة؟
وهل سيستمر هذا المسار ليشمل الأمانة العامة وبقية مفاصل القرار، أم يتوقف عند التعديلات الرمزية فقط؟

التعيينات الجديدة: دماء جديدة لا تعني فقط شبابًا إلى جانب تعيين الدكتور بنجامين بول ميل نائبًا أول، شهدت الحركة الشعبية تعيين
الجنرال ميري أباي نائبًا ثانيًا، وسايمون كون فوج نائبًا ثالثًا لرئيس الحزب. ورغم أن كليهما لا يُصنف ضمن الجيل الشاب، إلا أن وجودهما يُمثل تجديدًا في التفكير السياسي والتنظيمي داخل الحزب، ومحاولة لضخ دماء جديدة ذات توجه مختلف.

فليس بالضرورة أن يكون التغيير مقترنًا بالعمر، بل بقدرة القيادات على تبني نهج جديد، والتفاعل مع المتغيرات بواقعية
ومسؤولية.

التغيير ليس خيانة للماضي، بل وفاء للمستقبل لطالما ارتبطت الحركة الشعبية في أذهان الكثيرين بتاريخها النضالي الكبير. غير أن التحدي الحقيقي لأي حزب حاكم لا يكمن فقط في ماضيه، بل في قدرته على مواكبة الحاضر وصناعة المستقبل. إن فتح المجال أمام الكفاءات الشابة، وإتاحة الفرصة لقيادات جديدة لتحمل المسؤولية، لا يعني بالضرورة التخلي عن القيم النضالية، بل هو امتداد لها، وتجسيد عملي لمفهوم التداول الداخلي للسلطة، وهو مبدأ لا يقل أهمية عن أي شعار رفعته الحركة في فترات الحرب أو السلام.

لماذا الآن؟

المرحلة التي تمر بها البلاد لا تحتمل التردد ولا الجمود. فالوضع الاقتصادي المتدهور، وتحديات الأمن والاستقرار، إضافة إلى اقتراب الانتخابات العامة المرتقبة في 2026، كلها عوامل تفرض على الحزب مراجعة أوراقه.

وقد يكون هذا التغيير نتيجة لوعي عميق داخل القيادة بأهمية التحول، أو استجابة لضغوط شعبية داخلية، أو حتى تهيئة نفسية
للشارع بأن هناك شيئًا يتحرك.

وفي كل الحالات، فإن الاستجابة للتغيير أفضل من مقاومته، لأن الزمن السياسي لا يرحم، والجماهير أصبحت أكثر وعيًا من أي
وقت مضى.

ملامح جديدة… أم نهج جديد؟

ليس المهم أن تتغير الوجوه، بل أن تتغير طريقة التفكير، وأسلوب التواصل، ومنهجية العمل الحزبي. فالقادة الجدد، بمن فيهم الدكتور بنجامين بول ميل، مطالبون ليس فقط بالجلوس على الكراسي، بل بإحداث أثر ملموس، والانفتاح على القواعد، وسماع الأصوات التي طالما همّشت، لا سيما أصوات الشباب والنساء والمجتمعات الطرفية.

دعوة مفتوحة لبقية الأحزاب

ما قامت به الحركة الشعبية – رغم تأخره – يمكن أن يكون درسًا لبقية القوى السياسية  في البلاد. فلا يمكن لحزب أن يواكب متغيرات مجتمع شاب بنسبة تفوق 70%، وهو ما يزال محكومًا بعقليات وتوازنات ما قبل الاستقلال.

التحول السياسي الحقيقي يبدأ من الداخل، من المكاتب، من الاجتماعات، من كيفية صناعة القرار، ومن الجرأة على المراجعة
والتقييم والمحاسبة.

في الختام

إن التغييرات التي نشهدها اليوم في قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان ليست نهاية المسار، بل بدايته. وإذا ما استُثمرت هذه اللحظة التاريخية بالشكل الصحيح، فقد تكون بداية لعهد جديد من الأداء السياسي الناضج، القائم على الخبرة المتوازنة مع الحيوية، والتاريخ
الممتزج بالإبداع، والولاء المتقاطع مع الشفافية.

هذا المقال ليس إلا رؤية نقدية بناءة، يكتبها عضو نشط داخل الحزب،  وسكرتير سابق في مكتب رئيسة كتلة الحركة الشعبية في البرلمان القومي، بدافع الإيمان بأن الأحزاب لا تنهض بالشعارات، بل بمسؤولية قياداتها، وصدق محاسبتها، وتجديد رؤاها.

عن الكاتب:

سفريانو إيمانويل أطي – كاتب وناشط سياسي، وسكرتير سابق في مكتب رئيسة كتلة الحركة الشعبية في البرلمان القومي، مهتم بالشأن العام والقضايا السياسية والاجتماعية التي تمس المواطن السوداني الجنوبي.

________________________________________________________________________

مقالات الرأي التي تُنشر عبر موقع راديو تمازج تعبر عن آراء كُتابها وصحة أي ادعاءات هي مسؤولية الكاتب/ة، وليست راديو تمازج