“أمن رقمي” أم “قمع حريات”؟: برلمان جنوب السودان يقر قانون الجرائم السيبرانية وسط تحذيرات حقوقية عاجلة

 أقر البرلمان في جنوب السودان، يوم الثلاثاء، قانونًا جديدًا لمكافحة الجرائم السيبرانية وإساءة استخدام الحاسوب لعام 2025. وبينما تدافع الحكومة عن القانون باعتباره ضرورة لمواجهة التهديدات الإلكترونية المتزايدة، قوبل تمريره بالاستياء والانتقاد الحاد من قبل نشطاء حقوقيين، الذين يرون فيه تهديدًا وشيكًا لحرية التعبير والحقوق الرقمية.

وتم تمرير “مشروع قانون الجرائم السيبرانية وإساءة استخدام الحاسوب لعام 2025” بالإجماع من قبل الجمعية التشريعية الوطنية الانتقالية (TNLA) في جلسة استثنائية، بعد سنوات من الجدل التشريعي.

وشدد وزير العدل والشؤون الدستورية، مايكل ماكوي لويط، على أن الدولة لم يعد بإمكانها العمل دون إطار قانوني لملاحقة مرتكبي الجرائم الإلكترونية. وأكد الوزير أن القانون الجديد يحقق ثلاثة أهداف رئيسية، مواءمة جنوب السودان مع المعايير الدولية للأمن السيبراني، تمكين السلطات من معالجة قضايا متزايدة مثل الاحتيال عبر الإنترنت والتحرش الرقمي، تجريم قائمة واسعة من الأنشطة، تشمل التجسس، والإرهاب السيبراني، والتخريب الاقتصادي، وإنشاء المواقع المزيفة، ونشر “المعلومات الكاذبة” والمحتوى غير اللائق.

كما أشار الوزير إلى أن القانون “ديناميكي” ومصمم للتطور، وأن العقوبات على المخالفات البسيطة تشمل أحكاماً بالسجن تصل إلى سنتين أو غرامات تصل إلى مليون جنيه جنوب سوداني.

وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة، عبرت مجموعات المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان عن “قلق بالغ” من احتمالية إساءة استخدام القانون كأداة للرقابة وقمع المعارضة.

حذر إدموند ياكاني، المدير التنفيذي لمنظمة تمكين المجتمع من أجل التقدم (CEPO)، قائلاً “الدرس الذي تعلمناه من المنطقة هو أن الأجهزة الأمنية تميل إلى إساءة استخدام مثل هذه القوانين لمضايقة ومعاقبة النشطاء والجهات الفاعلة السياسية والإعلام المستقل بشكل غير قانوني”.

كما وجه جيمس بيدال، المنسق الوطني لشبكة المدافعين عن حقوق الإنسان، انتقادات حادة للعملية التشريعية نفسها، مؤكداً أن القانون مر دون مشاركة عامة كافية أو عقد جلسات استماع للمواطنين والمجتمع المدني.

وأبرز بيدال العديد من البنود التي اعتبرها لا تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كان أبرزها، المادة السادسة: التي قال إنها تسمح للسلطات باعتراض ومراقبة الاتصالات الإلكترونية دون أمر قضائي، مشيرا ان بالقانون تعريفات فضفاضة تجريم فئات واسعة من المحتوى، بما في ذلك “الأعمال الخطرة”، وهو ما يمكن أن يستخدم لقمع الصحافة الاستقصائية أو الأنشطة المشروعة.

كما حذر من أن القانون الجديد قد مُنح الأسبقية على قوانين أخرى، بما في ذلك الضمانات الدستورية لحرية التعبير والخصوصية.

وحث بيدال الرئيس سلفا كير على عدم التوقيع على القانون حتى يتم تعديل البنود الأكثر إثارة للجدل، محذراً من أنه “إذا تم التوقيع عليه بشكله الحالي، فسيمنح السلطات صلاحيات غير مسبوقة لمراقبة النشاط الرقمي وتجريمه دون رقابة حقيقية”.

وينتظر مشروع القانون الآن توقيع الرئيس ليصبح نافذ المفعول، وهي خطوة ستتم مراقبتها عن كثب في بلد يشهد جدلاً متزايدًا حول الحريات الأساسية.