Skip to main content
بقلم/ أتيم سايمون - ١٢ سبتمبر ٢٠١٨

رأي: نَكْبَة يٍرُولْ

إن سقوط طائرة الركاب المدنية في بحيرة يرول صبيحة يوم الأحد المنصرم ، تعتبر نكبة حقيقية لجنوب السودان قاطبة ، وليس لمواطني المنطقة  وحدها، وكل من تربطه بهم وشائج قربى من قريب أو بعيد ، وهي أيضا تصنف كنكبة وطنية لأن فقدان حوالي 20 مواطن في غفلة من سلطات المتخصصة بالبلاد، وبقية الجهات الرقابية التي مافتئت تطمئن العامة في أعقاب كل حادثة من هذا النوع بأنها شرعت في إجراء التحقيقات المطلوبة ، من غير أن تعلن عن نتائجها للعامة ، ودون حتي إجراء التحوطات اللازمة التي تتقود لتفادي مثل تلك الكوارث في المستقبل القريب.

لقد تضاربت الأنباء حول المؤشرات الأولية التي أدت لسقوط الطائرة ، فهناك من عزاها لسوء الأحوال الجوية و تدنى مستوى الرؤيا بالمدينة لحظة سقوط الطائرة ، كما صرحت بذلك السلطات الحكومية بولاية البحيرات الشرقية ، وكذلك شركة ساوث ويست المالكة للطائرة ، إلا أن الجناية الكبرى و التي ينبغي أن يحاسب عليها القائمين على أمر الرحلة بشكل فوري هي مسالة التلاعب بقائمة المسافرين ، وتحميل الطائرة الصغيرة التي تسع لحوالي 19 راكب فقط ما لاتحتمل 23 راكب ، ففي ذلك تلاعب بأسس وإجراءات السلامة التي يتوجب إتباعها في كل رحلة ، وبشكل صارم لايحتمل المجاملة أوزيادة الحصيلة المادية للرحلة ، لتصبح التذكرة وثمنها أهم من أرواح جميع ركاب الطائرة، فيبدو أن السلطات المختصة مجتمعة وشركات الطيران لن تتعلم من الأخطاء السابقة وآخرها تجربة طائرة فلوج التي سقطت بجزيرة غندكرو، فقد كانت الحمولة الزائدة هي السبب الثاني لسقوطها ، بعد السبب الرئيس والجوهري الذي هو الفساد.

نتمني هذه المرة أن تتولي سلطة الطيران المدني نشر نتائج التحقيقات  الجارية حاليا ، لتمليك الراي العام ملابسات تلك الحادثة التي يجب ألا تمر هكذا عفو الخاطر، فالطيران وسيلة نقل يعتمد عليها معظم سكان جنوب السودان من ميسوري الحال إضطرارا نسبة لتكاليفه باهظة الثمن ، نسبة لأنعدام الطرق البرية التي تربط بين العاصمة جوبا و بقية المدن الاخري ، التي لايستغرق الوصول اليها بضعة ساعات مثل مدينة يرول التي شهدت الكارثة الأخيرة ، وهذا يترك حسرة كبيرة في نفوسنا ، أن يدفع المواطن البسيط ثمن الغياب التنموي غير المبرر إطلاقاً ، ويصبح ضحية مزدوجة لضعف الأولويات الرسمية ، و إنعدام الأمن كنتيجة مباشرة للأزمة السياسية و الحرب التي قادت إليها مؤخرا ، مما ادي أيضاً لإنقطاع الطرق البرية التي كان الكثيرين يتنكبون مصاعبها حتى في فصل الخريف.

قالت الشركة المالكة للطائرة المنكوبة ، انها ستلزم بتعويض أسر الضحايا الذين قضوا في تلك الحادثة بعد إكتمال إجراءات التحقيق ، هذا مهم ومقبول لكنه  بالضرورة لاينفي الإجابة عن بقية الأسئلة التي تتطلب إجابات شافية ، وبخاصة حينما لاتتطابق القائمة التي تضم أسماء الركاب مع عدد الضحايا الذين تم إنتشال جثثهم من النهر واسمائهم ، فكيف حدث ذلك وماعلاقته بسقوط الطائرة وهي تهم بالهبوط التدريجي ، تلك أسئلة قد يجيب عليها الصندوق الأسود التي تم العثور عليه أمس ، لكنها حقائق ضرورية يجب تمليكها للراي العام.

لانريد أن تنتهي تلك الحادثة بانتهاء بيانات وبرقيات التعازي ، أو بانتهاء مراسم الدفن ، بل يجب علي السلطات المختصة أن تتعلم من هذا الدرس ، وذلك بإتباع القواعد الصارمة التي تقلل من تكرار مثل تلك الكوارث ، علي وزارة المواصلات وسلطات الطيران المدني أن تقوم بمراجعة شاملة لجميع الطائرات الصغيرة (الكارافان) ، ومعرفة مدي صلاحيتها التي تؤهلها للطيران في جنوب السودان ، وهل هي حاصلة علي شهادة تأمين دولية أم لا؟، فلا يمكن أن يتم السماح لطائرات غير مطابقة للمعايير الدولية المطلوبة ،أن تحلق في أجواء جنوب السودان ، فهناك مخاوف في الوسط العام من أن يكون وجود هذا الكم الهائل من الطائرات الصغيرة في مطار جوبا ، هو عدم السماح لها بالطيران في بقية دول الإقليم بسبب عدم أهليتها ، وعدم خضوعها للصيانة الدورية.

لايمكننا أن نتحدث عن وجود قوانين وتشريعات من شأنها أن تنظم حركة الطيران وتضع له القواعد الضرورية دون تطبيقها على أرض الواقع ، ففي هذه الحالة يتساوي وجود القانون مع عدمه ، ويشعر الناس بغياب المسئولية الرسمية تجاههم، حتي في الجانب المتعلق بتمليك المعلومات حول تلك الحادثة ، فسلطات الطيران المدني يجب أن تكون متوفرة لتمليك المعلومات الضرورية للرأي العام لحظة بلحظة ، الشفافية مطلوبة لتدارك تأثير الصدمة وتخفيفها ، لأن تضارب المعلومات حول الحادث يدلل على وجود أزمة أخرى في مؤسساتنا المعنية ، فتكرار حوادث الطيران بتلك الوتيرة ، ودون وضع المعالجات الضرورية مثل تزويد المطارات الولائية بالمعدات و المعينات الضرورية مثل أجهزة الإتصال وغيرها ، سيؤثر كثيرا علي صدقيتها في المديين القريب و البعيد.

أيضا هناك ضرورة قصوى لأن تتولي هيئة الطيران المدني بشكل مستمر مسألة مراجعة قوائم الركاب و التأكد منها بشكل يمنع تجاوز الحد المسموح به حسب سعة الطائرة ، الى جانب التأكد من الوزن المسموح به ، لضبط التلاعب الذي تقوم به الشركات الساعية وراء الربح ، وهي تتعامل نع طائرات تعبر المسافات جواً مثلها مثل البصات السفرية أو المواصلات الداخلية ، وهذا أمر خطير يجب تداركه.

في الختام ، نرسل التعازي القلبية الحارة لأهالي الطائرة المنكوبة ، ونتمني عاجل الشفاء للجرحي الذين يتلقون العلاج بالعاصمة جوبا ، نتمناها آخر الاحزان لنا وللوطن الذي فقد أبناء/ بنات أعزاء في تلك النكبة المؤلمة بحق وحقيقة.