Skip to main content
بقلم/ أتيم سايمون - ٣١ أغسطس ٢٠١٨

رأي: آخَر التَحًفُظَاتْ

إن عودة الوساطة السودانية للموافقة علي رفع تحفظات المعارضة المسلحة وتحالف المعارضة لقمة رؤساء الايغاد ، مقابل توقيعها بالأحرف الأولى على الوثيقة التي مهرتها الحكومة ومجموعة المعتقلين إلى جانب قِوّي معارضة الثلاثاء المنصرم ، إنّما يبرهن على وجود أزمة حقيقية ، فهناك قضايا خلافية وجوهرية لاتزال عالقة ، يترتيب على تمريرها هكذا عفو الخاطر المزيد من الأزمات المعروفة بشيطان التفاصيل في المستقبل القريب ، لكن المشكلة الأساسية الأخرى، تتمثل في أن الوساطة السودانية تريد ان تقول لهيئة الإيغاد في إجتماع القمة المقبل ،اننأ حققنا سلاما في جنوب السودان (زي صحن الصيني لافيهو شق ، لافيهو طق) ، وهذا أمر صعب ومستحيل في ذات الوقت ، فالأفضل لجميع الأطراف المتفاوضة في الحكومة و المعارضة أن تتوافق على حلول فيما يتعلق بالمسائل الخلافية العالقة من وثيقة الإتفاق.

 إن امعان الأطراف وإصرارها على مناقشة التفاصيل الدقيقة في إتفاق السلام ، بما فيها الجداول الزمنية وتعديل كل فقرة لتتوافق مع معادلة قسمة السلطة علي المستويين التنفيذي و التشريعي بالمركز و الولايات ، إضافة لمصفوفة الترتيبات الأمنية في أدق المسائل ، لهو تأكيد واضح على مدى خشيتها من عواقب تباينات التفسير الذي إن ترك للإجتهاد سيكون بمثابة إستدعاء الكارثة ، لذلك كانت التحفظات الأربع التي سلمتها المعارضة المسلحة وتحالف المعارضة للرئيس السوداني عمر البشير قبل يوم من توقيعها ، تركز على مسائل ينظر إليها الكثيرين على أنها من صغاير الإمور التي لاتحتمل كل هذا (التعنت و التعقيد) ، وهذا افتراض تدعمه الفرضية القائلة بأن السلام يتطلب نوعاً من حسن النوايا ، وهو زعم صحيح في جميع الأحوال ، عدا إتفاقيات السلام ووثائق التسوية المتفاوض عليها ، وكلنا كنا قد رأينا الى أين آلت بنا الأوضاع حينما وافقت الحكومة للتوقيع على إتفاق سلام قالت إنه فرض عليها ، وأشهرت في وجهه تحفظاتها وتحذيراتها للمجتمع الإقليمي بأن هذا الاتفاق سيعيد البلاد الي المربع الأول وقد كان ، سواء ان اتفقنا أو إختلفنا حول طبيعة السيناريو الذي قاد لإنهيار الإتفاق وعودة الأوضاع إلى سابق عهدها.

 إن عملية السلام بالنسبة لى ، لاتزال تنتظر جولة جديدة أخرى لمعالجة النقاط التي رفعتها جماعات المعارضة ، بالأخص المسائل المرتبطة بالنقاط الاربعة المتعلقة بتحديد آلية صنع القرار فى الحكومة الانتقالية الموسعة ، وأجهزتها التشريعية ، بالإضافة إلى ضرورة التوصل لتوافق حقيقي حول الفقرة الرابعة، و التي تعتبر من أعقد القضايا التي تباينت حولها وجهات نظر المجموعات المشاركة في التفاوض ، فبدون الإتفاق حول موضوع الولايات سيكون من العسير إحراز أي تقدم في تنفيذ بقية ملفات إتفاقية السلام.

الكرة الآن في ملعب وساطة الإيغاد ، فبعد توقيع المعارضة المسلحة و تحالف المعارضة المسلحة ، أعلنت جبهة الخلاص التى تعتبر واحدة من المجموعات المنضوية تحت التحالف ، بأنها لم توقع على وثيقة الاتفاق التي التحقت بها بقية الأطراف يوم الخميس بالعاصمة السودانية الخرطوم ، مما يتطلب بالضرورة استصحاب ما أثارته من قضايا ومخاوف متعلقة بالوثيقة وما تحمله من آراء وتصورات حالت دون توقيعها على وثيقة سلام الخرطوم ، فأى حديث عن سلام شامل ومستدام في جنوب السودان يعني بالضرورة تمثيله لكافة وجهات النظر ، لذلك أعتقد ان إتاحة المزيد من الوقت لحسم كافة الملفات هو أنجع السبل لضمان عودة الاستقرار للبلاد ، الأمر الذي يجب أن نتنتبه له الوساطة السودانية المكلفة بتقريب وجهات النظر ، فقد لاحظت كثيرا تبرما غير مبرراً من الوسيط السوداني كلما أثارت الأطراف مخاوفها التي تتطلب المخاطبة والحوار الهادئ ومن ثم الحلول الواقعية الناجعة.

ان الإتفاق الذي تعد له الأطراف جاء هذه المرة في ظروف مختلفة بعد أن شهدت العملية السلمية في جنوب السودان تراجعاً كبيراً ، أو قل إنكماشا ملحوظا في الدعم الإقليمي و الدولي ، خلاف الفترات السابقة التي كان يخف فيها الشركاء الاقليميين والدوليين لتقديم النصح والمشورة وتأكيد المساندة و المناصرة ، وهذا نابع من التجربة التي مرت بها التسوية السلمية منذ بداية المفاوضات في العام 2014 ، وصولاً لإتفاق السلام الموقع في أغسطس من العام 2015 ،والذي تعرض هو الآخر لنكسة كبيرة إستوجبت التدخل لإعادة إحيائه في عملية طويلة ومتشابكة ، لتتدخل بعد ذلك مصالح الأطراف وهي تحاول أن تجد موطئا لقدميها عبر مساعدة الأطراف المتحاربة للتوصل إلي إتفاق سلام وتسوية سياسية نهائية ، بدوافع تحكمها المصالح السياسية و الإقتصادية لتلك الدول و البلدان ، وما تسوية الخرطوم الحالية إلا واحدة من تلكم المحاولات الإقليمية الفردية ، التي باتت في أشد الحوجة لمساندة الشركاء الدوليين ، وقد عبر عن ذلك وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد ، وهو يقترج إنعقاد اجتماع مشترك بين الإيغاد والترويكا لدعم إتفاق سلام جنوب السودان ، وهذا إستدراك مهم ، وإن جاء متأخراً.

لايزال هناك متسع من الوقت لمخاطبة آخر التحفظات المثارة حول وثيقة اتفاق السلام الأخيرة ، وهي تحفظات نأمل الا يتم تجاوزها ، ليس لأنها وردت من فصائل رئيسية في المعارضة ، أو من ريك مشار الذي سيعود لمنصبه السابق نائبا للرئيس سلفاكير ، يجب أن تستفيد الإيغاد من درس التغاضي السابق ، فتلك القضايا في إعتقادي تحمل في طياتها تحفظات حكومية عكسية ، تحرجت معها الوساطة السودانية ، مما دعاها لرفعها لقمة الايغاد تجنيا لذلك الحرج ، وتلك مسالة مفهومة لانها مرتبطة ايضا بالتطورات التي شهدها العلاقة بين جوبا و الخرطوم مؤخرا ، لذلك تتجه الأنظار جميعها لقمة الرؤساء المقبلة ولون الرماد الي سيتصاعد من فوق مدخنتها تلك.