“العطش يقتل آلاف الأشجار شمال السودان” 

تواجه ولايتي الشمالية ونهر النيل في شمال السودان أزمة عطش غير مسبوقة، أدت إلى موت ما يقارب الخمسة آلاف شجرة فاكهة خلال أبريل المنصرم وحده، وفق إفادات مزارعين محليين، وسط تحذيرات من انهيار تدريجي للبنية المعيشية للمنطقة بأكملها.

ويقول أصحاب بساتين من مناطق “مروي”، “القرير”، و”الدبة”، إن عطش الأشجار بلغ ذروته بعد أسابيع من انقطاع الكهرباء وندرة الوقود المستخدم لتشغيل مضخات الري، في وقتٍ تزامن فيه ذلك مع موجة جفاف حادة.

ورغم أن النخيل ظل صامدًا نسبياً بسبب قدرته العالية على تحمّل العطش، إلا أن أشجار الليمون والبرتقال والمانجو بدأت تجف تباعاً، ما يُنذر بكارثة اقتصادية قد تمتد لسنوات. كما تضررت محاصيل العلف مثل البرسيم وفول الصويا، التي تُعد مكونات حيوية في سلاسل إنتاج الثروة الحيوانية.

ويرى خبراء في مجال المياه أن ما يحدث ليس مجرد خلل موسمي أو تقني، بل نتيجة مباشرة لتدهور البنية التحتية للري وعدم الاستثمار في بدائل الطاقة المستدامة، مع آثار طويلة المدى يُتوقع أن تتفاقم بفعل تغيّر المناخ وتراجع تدفقات النيل؛ بسبب سد النهضة الإثيوبي.

وأوضح الخبير الزراعي محجوب كناري في حديث لتمازج أن الزراعة البستانية في تلك المناطق – رغم تنوعها وعوائدها – تعد أحد أعمدة الدخل الرئيسية، وليس مجرد نشاط ثانوي، حيث ترتبط بها سلاسل واسعة من العمالة والتجارة والنقل والخدمات.

وأشار كناري إلى أنه رغم توفر أشعة الشمس طوال العام، لكنها لم تُستثمر حتى الآن بالشكل الكافي في مشاريع الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات المياه بديلاً عن الديزل أو الكهرباء العامة، ما يفتح الباب لطرح حلول استراتيجية لتقليل الاعتماد على مصادر طاقة متهالكة أو متقطعة.

يرى بعض سكان المناطق المتأثرة أن ما يجري لا يُهدد فقط الأشجار أو المحاصيل، بل ينذر بانهيار تدريجي لنمط الحياة الريفي بأكمله.

 يقول المزارع عبد المنعم حسن من منطقة “القرير”: “إذا ماتت الأشجار اليوم، فلن نجد غداً ما نأكله أو نبيعه أو نرثه. الأرض تموت ونحن نموت معها”.

ومع غياب أي تدخل حكومي عاجل، يُخشى أن تتحول أزمة العطش إلى موجة نزوح داخلي جديدة، ما يضاعف من الضغوط على المدن، ويزيد هشاشة المجتمعات الزراعية التي ظلت لعقود ترفد البلاد بالغذاء والدخل.

 وأكد مزارعون تحدثوا لتمازج أن أزمة العطش وانقطاع الكهرباء المستمر أدت إلى انهيار شبه كامل للقطاع الزراعي، محذرين من مجاعة وشيكة إذا لم يتم تدارك الوضع بصورة عاجلة.

وبدوره أوضح المزارع علي سليمان أن المحاصيل الرئيسية التي يعتمد عليها السكان في غذائهم ودخلهم اليومي، مثل الفول واللوبيا والبصل والخضروات، قد جفت بالكامل بسبب العطش. 

وقال: “دخلنا المرحلة الحرجة… كل الخضروات المعروفة انتهت، وحتى الأشجار التي كانت تتحمل العطش بدأت في الموت”.

وأشار إلى أن أشجار النخيل، التي تُعد المحصول النقدي الأهم في الولاية، مهددة بالهلاك، خاصة الشتول الصغيرة التي لا تتحمل العطش. كما أن أشجار الفاكهة مثل البرتقال والليمون تعرضت لأضرار بالغة بسبب انعدام الري.

وأضاف سليمان أن بعض المزارعين اضطروا لاستخدام “الجركانات” لسقي النباتات عبر سحب المياه من النيل، وهي عملية مرهقة وغير مجدية في ظل حاجة الأراضي العطشى إلى كميات ضخمة من المياه. كما لجأ آخرون إلى نقل المياه عبر الحمير أو التكاتك، ما يزيد من معاناتهم اليومية.

وقال “هذه المعاناة لا توصف بالكلام. الزراعة توقفت تماماً. النخيل، الخضروات، البرسيم، كل شيء مات، والحياة نفسها توقفت هنا”.

وأوضح أن توقف الزراعة انعكس مباشرة على الوضع المعيشي للمزارعين، الذين كانوا يعتمدون على بيع منتجاتهم لتوفير الاحتياجات الأساسية مثل السكر والشاي والخبز. 

وأضاف “إذا لم يكن لديك دخل يومي من الزراعة، فستجوع ببساطة”.

كما أشار إلى أن الانهيار الزراعي امتد أثره إلى قطاعات أخرى مرتبطة به، مثل العمال الزراعيين وبائعي الخضروات في الأسواق، مما فاقم نسب البطالة في المنطقة.

وانتقد المزارع ما وصفه بـ”عجز الدولة عن التدخل” قائلاً إن وعود الحكومة لم تترجم إلى خطوات عملية، بينما تزداد أوضاع السكان سوءاً يوماً بعد آخر.

وأضاف سليمان “لم تمر الولاية الشمالية بمثل هذا الوضع في تاريخها الحديث. توقف الري، توقفت الزراعة، وتوقفت الحياة كلها”.